
بعدما وقعت الخلية التخريبيّة التابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” في فخ المخابرات الأردنية، غسل الجميع أياديهم منها، بدءأ من جماعة الإخوان في الأردن مروراً بـ”حماس” وصولاً إلى بعض الفصائل في لبنان.
لكن بات من المؤكّد أن هناك ارتباطاً لهذه الخلية بلبنان وما يحصل في غزة بين اسرائيل و”حماس”، والصراع في المنطقة ودور الأردن فيه. وحتماً من المؤسف أن إسم لبنان في العهد الجديد الذي شهد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وتعيينات أمنية، يُدرج في هذه العملية الأمنية، وخصوصاً أنه بات ثابتاً أن تدريب بعض أعضاء هذه الخلية حصل في لبنان.
لا شك في أن نشاط جماعة “الإخوان المسلمين” عابر للحدود، ويشمل دولاً عدة مثل مصر والأردن وسوريا ولبنان ولا ينتهي مع حركة “حماس” التي تعتبر جزءاً من هذا التنظيم المتطرف، علماً أن “الإخوان المسلمين” هم أكبر خطر على الأنظمة العربية بالتساوي مع إيران وأذرعها العسكرية في المنطقة، بل هناك ما يشبه التعاون والتنسيق أحياناً بين إيران والإخوان.
أهمية السلطات الأردنية أنها كانت تُتابع بواسطة مخابراتها حركة بعض خلايا الإخوان في الأردن والمنطقة منذ العام 2021 وتمكنت من القبض على إحداها في صيف عام 2023. أما الخلية الجديدة فتتضمن، على الأقل، اثنين من المخططين كانا في لبنان هما عبد الله هشام ومعاذ الغانم، اللذان التقيا برجل يُدعى أبو أحمد، وهو قيادي في فرع “الإخوان المسلمين” في لبنان. ويبدو أنه زودهما بالمال والتدريب على كيفية تصنيع الصواريخ الخام باستخدام الأدوات الآلية. أما العضو الثالث، محسن الغانم، فقد ادعى أنه التقى بإبراهيم – المقيم في لبنان – وحصل منه على 20 ألف دولار لشراء المواد اللازمة لإنتاج الصواريخ.
وليس سراً أن نشاط المخططين في لبنان لا ينفصل عن توجّه عام بدأه فرع “الإخوان المسلمين” في الأردن الذي حرّض بعد عملية “طوفان الأقصى” لـ”حماس” عام 2023 بعض الناشطين في الأردن على سياسة الملك الأردني عبد الله الثاني الذي يتّهمونه بأنه حافظ على علاقات مستقرة مع إسرائيل ويستضيف قوات أميركية، واستثمرت الجبهة السياسية لجماعة “الإخوان المسلمين” ذلك عبر فوزها بما يقارب ربع مقاعد البرلمان الأردني، مستغلة مشاعر الشعب الأردني المتعاطف مع القضية الفلسطينية، داعية عبد الله إلى تعليق اتفاقية السلام الأردنية مع إسرائيل. لكن تحرّك “الإخوان المسلمين” في الأردن لا يُمكن فصله عن محاولات إيرانية للعبث باستقرار البلد وأمنه، وقد بادرت السلطات الأردنية في العام 2024 إلى إحباط مخطط لميليشيات مدعومة من إيران في سوريا لتهريب أسلحة إلى جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن، وهنا بيت القصيد!
لا تزال تفاصيل رحلة أعضاء الخلية التخريبية الأردنية في لبنان مجهولة التفاصيل بل مريبة، وباستثناء اعتراف العضوين بتلقي التدريب في لبنان وعودتهما إلى مدينتهم الزرقاء المعروفة بتشددها في الأردن، لا تزال الصورة غير واضحة، علماً أن قائد الخلية الذي تعاون معهما في لبنان يتخذ من بيروت مقراً له. ولا بد للأجهزة ألأمنية اللبنانية من تتبع هذه الخيوط لكشف كل من له علاقة بهذه الخلية في لبنان، وحتماً أن المُخطط فيه لا يعمل وحده بل من البديهي أن يكون لديه معاونون، وليس من الصعب التوصّل إلى معرفة الحقيقة وتوقيف كل المتورطين.
وتؤكّد مصادر سياسية متابعة لهذا الملف المستجد منذ أول من أمس أن ما كشفه الأردن ليس جديداً، فالكويت وعدة دول كانت تحدثت عن خلايا أمنية يتم تدريبها في لبنان وتوجيهها لتعكير صفو أمنها، وهذا ما يثبت أنّ إبقاء لبنان ساحة لا يشكل خطراً عليه حصراً، إنما على دول المنطقة وغيرها، وأي بؤرة في العالم يجب إقفالها وإلا تحولت إلى منطلق للأعمال الإرهابية والتخريبية.
ولا تستبعد المصادر تورّط إيران في هذه المؤامرة، وترى أنها كانت تتكئ على فرع لبنان في “حماس” لتطلق الصواريخ وتعبث بأمن الجنوب وتوجيه الرسائل، وماذا الذي يمنع أن تكون فروع بعض “الإخوان المسلمين” المتشرة في الدول العربية ولبنان، مرتطبة بإيران التي تهدف إلى زعزعة استقرار بعض الدول، سواء عبر أذرعها العسكرية أو استخداع خلايا من “الإخوان المسلمين” وغيرهم؟ والجميع يعرفون أنه تم تحويل لبنان إلى مركز تدريب أساسي لفصائل الحرس الثوري في المنطقة و”حماس”، كما يعرف القاصي والداني أن ايران عندما احتاجت دعماً لحليفها “حزب الله” خلال حرب الإسناد من لبنان، طلبت من “حماس” و”الجماعة الإسلامية” فيه مؤازرته عسكرياً.
كلّها خيوط تعرف الأجهزة الأمنية اللبنانية أنها ضرورية لتعقّب من يريد أن يحوّل لبنان منصة لزعزعة استقرار الدول العربية مثل الأردن وغيرها.
أما مسارعة رئيس الحكومة نواف سلام إلى التنديد والتعاون مع السلطات الأردنية فهي محط تنويه، ولا سيّما لجهة تأكيده أنّ “لبنان يرفض أن يكون مقراً أو منطلقاً لأي عمل من شأنه تهديد أمن أي من الدول الشقيقة أو الصديقة”، ولكن لبنان تحول في العقود الأخيرة، ويا للأسف، إلى مقرّ ومنطلق للأعمال التخريبية، ومع بسط سلطة الدولة واحتكارها وحدها للسلاح يكون لبنان وفرّ الحماية لشعبه وسمعة دولته والحماية لشعوب المنطقة والعالم.
المطلوب طبعاً أقصى التعاون العملي مع السلطات الأردنية من أجل توقيف الخلايا في لبنان ومَن يقف خلفها والتي خططت وتآمرت على الدولة الأردنية التي تربطها بلبنان الدولة علاقات وثيقة وتاريخية، وكل التحية لهذه الدولة التي نجحت، خلافاً للبنان، في إبقاء عاصمتها بعيدة من الاحتلال الايراني.