عون يستشهد بالسيستاني: “إخضاع السلاح لسلطة الدولة ومكافحة الفساد”

وفي كلمته، استعاد عون محطّاتٍ من التاريخ المشترك بين العراق ولبنان، قائلًا: “منذ آلاف السنين جمعت الصدفُ المعبِّرة بين بلاد ما بين النهرين وبلاد الأرز؛ فليس تفصيلًا أن يكون أوّلُ تنظيمٍ للحياة العامّة وضعه حمورابي هنا، وأن تحتضن بيروت أوّلَ مدرسةٍ للحقوق في التاريخ. كانت ولا تزال همومُنا مشتركةً في صون حقوق الناس وانتظام حياتهم بما يُحقّق خيرهم الأسمى”. وأشار إلى أنّ بيروت “عشقت السيّاب والجواهري ونازك الملائكة وسائر روّاد الأدب العراقيّ الحديث”، فيما “ظلّت بغداد تُنشِد “موطني” على ألحان المبدع اللبنانيّ محمّد فليفل”.
وعدّد الرئيس اللبنانيّ تحدّيَين رافقا البلدَيْن عبر العقود:
– ترسيخ الهويّة الوطنيّة داخل كلّ دولة، بما يكفل التوافق الداخليّ ووحدةَ الدولة، ويحترم خصوصيّات المكوّنات التاريخيّة من دون عزلةٍ أو تطرف، مع صون الحرّيات وحفظ السلم الأهليّ من غير المساس بفعاليّة الدولة.
– تأكيد السيادة الوطنيّة في الإقليم والعالم بلا عداوات أو تبعيّة، بحيث تكون كلّ دولة حرّةً مستقلّةً بحقّ، وتشكّل في الوقت نفسه جزءًا من إطارٍ إقليميّ واسع للتعاون والتكامل.
واستشهد عون برؤية المرجع الدينيّ الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (تشرين الثاني 2024)، التي دعت النخبَ إلى “استخلاص العِبر وإعداد خططٍ علميّةٍ وعمليّة لإدارة الدول، انطلاقًا من الكفاءة والنزاهة، ومنع التدخّلات الخارجيّة، وإخضاع السلاح لسلطة الدولة، ومكافحة الفساد على كلّ المستويات”.
وختم رئيس الجمهوريّة كلمته بشكر العراق “على ما قدّمه دومًا للبنان من هباتٍ ومساعداتٍ في شتّى المجالات”، مؤكّدًا أنّ عبارة “الترياق من العراق” لم تعد مجرّد قول مأثور، بل “واقعٌ يلمسه كلّ لبنانيّ في كلّ أزمة”.
رشيد: دعم لبناني أولوية
من جهته، جدّد رئيسُ جمهورية العراق، عبد اللطيف رشيد، خلال لقائه في بغداد عون، موقفَ بلاده الداعم لأمن لبنان واستقراره والحفاظ على وحدة أراضيه.
وأوضح رشيد أنّ العراق “يَبذل، انطلاقًا من مقرَّرات قمّة بغداد، أقصى الجهود بالتنسيق مع الأشقّاء والأصدقاء لدعم الشعب اللبنانيّ”، مؤكّدًا كذلك “أهميّة مواصلة دعم وإسناد الشعب الفلسطينيّ في نَيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلّة”، ومُجدِّدًا “دعمَ بغداد لوحدة سوريا واستقرارها والحفاظ على سيادتها وأمنها”.
وفي مؤتمرٍ صحافي مشترك، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أنّ حكومتَه “تدعم التوافق السياسي الداخلي في لبنان وتُدين الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على أراضيه”. ولفت إلى أنّ العراق “طرح مبادرةَ الصندوق العربي لإعادة إعمار لبنان وحظيت بتأييدٍ عربي”، مذكِّرًا بأنّ بغداد “قدّمت 20 مليون دولار دعمًا للصندوق”.
وأشار السوداني كذلك إلى “دعم العراق لوحدة الأراضي السّوريّة”، مشدِّدًا على “ضرورة إنقاذ سكان قطاع غزّة ووقف معاناتهم الإنسانيّة”.
وكان قد وصل رئيس الجمهوريّة جوزاف عون صباح اليوم إلى مطار بغداد الدوليّ، تلبيةً لدعوةٍ رسميّة من نظيره العراقيّ عبد اللطيف جمّال رشيد، في زيارةٍ تستمرّ يومًا واحدًا يلتقي خلالها رئيس الوزراء محمد شياع السّوداني، ويبحث مع المسؤولَين العراقيَّين في سُبل تعزيز التعاون الثنائيّ والتنسيق المشترك على المستويات كافّة. ويرافق الرئيس عون مدير عامّ الأمن العام اللواء حسن شقير ووفدٌ من المستشارين.
عون: لتوطيد العلاقات
وأعرب رئيس الجمهوريّة عن تقدير لبنان للدعم العراقي، قائلًا: “أغتنم هذه المناسبة لأتوجّه بالشكر إلى القيادة العراقيّة والشعب العراقي الشقيق على دعمهم المتواصل للبنان، ولا سيّما المساعدات القيّمة التي قُدِّمت خلال الحرب الأخيرة، وإرساليات النفط التي شكّلت رافدًا حيويًّا في ظروفنا الصعبة، وهي دليلٌ صادق على أصالة الأخوّة العربيّة”.
وهنّأ الرئيس عون العراق على “نجاحه المميّز” في استضافة القمّة العربيّة والقمّة العربيّة التنمويّة الاقتصاديّة، معتبرًا أنّ “هذا النجاح يؤكّد قدرة العراق على الاضطلاع بدورٍ قياديٍّ محوريٍّ في تعزيز التضامن العربي”.
وأضاف: “أثق بأنّ المحادثات الّتي سأجريها اليوم ستُبرز تطابقًا كاملًا في وجهات النظر حيال ضرورة تعميق التنسيق الأمنيّ، ولا سيّما في مجال مكافحة الإرهاب والتطرّف، انطلاقًا من قناعتنا المشتركة بأنّ أمن بلدينا مترابطٌ وأنّ التحدّيات تتطلّب تضافر الجهود وتبادل الخبرات والمعلومات”. وختم الرئيس عون تصريحه بالتأكيد على أنّ الزيارة “تجسّد حرص لبنان على تطوير علاقاته مع العراق في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة والأمنيّة، خدمةً لمصالح الشعبَين الشقيقَين وتعزيزًا لاستقرار المنطقة وازدهارها”.
وبعد انتهاء مراسم الاستقبال، توجّه الرئيس عون إلى القصر الرئاسي العراقي للقاء الرئيس عبد اللطيف رشيد.