سياسة

اهتمام دبلوماسي غربي بلبنان.. الجبهة الجنوبية “تشتعل” من جديد!

من جديد، اشتعلت الجبهة اللبنانية خلال الساعات الماضية بوتيرة ملحوظة ولافتة، بعد تراجع نسبي في حدّة المواجهات منذ ردّ “حزب الله” على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، وذلك على وقع سلسلة اعتداءات وغارات إسرائيلية استهدفت العديد من القرى والبلدات الجنوبية، فضلاً عن تفعيل سياسة الاغتيالات ضدّ عناصر ومقاتلي “حزب الله”، ما أسفر عن سقوط العديد من الشهداء والجرحى، بينهم مدنيون وأطفال.

وفي وقت كان لبنان يعلن عبر رئيس حكومته نجيب ميقاتي أنّه سيتقدم بشكوى جديدة إلى مجلس الأمن بشأن الانتهاكات الإسرائيلية، كانت إسرائيل ترفع في المقابل من وتيرة تهديداتها للبنان، وقد دخل على خطها مسؤولون ووزراء، آخرهم وزير الأمن يوآف غالانت، الذي أكد أنّ التصعيد يمكن أن يفضي إلى حرب، بعدما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال قبل أيام إنّه أصدر تعليماته بالاستعداد لتغيير الوضع في الشمال.

وبالتوازي مع كلّ ذلك، انشغل لبنان خلال الساعات الماضية، بزيارة “وداعية” قام بها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى بيروت، حيث دعا إلى “تخفيف حدة التوترات العسكرية” في الجنوب، مشدّدًا على أن الاتحاد الأوروبي يبذل “كل الجهود الدبلوماسية لمنع التصعيد في المنطقة” لكنه “لا يملك عصا سحرية”، فكيف تُقرَأ تصريحاته في خضمّ التوتر المتصاعد، وهل يمكن القول إنّ أسهم الحرب ارتفعت من جديد؟

اهتمام دبلوماسي غربي
في المبدأ، لا شكّ أنّ زيارة جوزيب بوريل إلى بيروت، ولو أخذت صفة “الوداعية”، تندرج في خانة الاهتمام الدبلوماسي الغربي بلبنان في هذه المرحلة، علمًا أنها المرة الثانية التي يحطّ فيها بوريل في لبنان منذ بدء الاشتباكات بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي في الثامن من تشرين الأول الماضي، وهو قال صراحة إن طبول الحرب لم تتوقف منذ زيارته الأولى، ولو أقرّ بأنّه “تمّ تفادي الأسوأ” في المسار المتّبع حتى الآن.

ويؤكد العارفون أنّ المجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي في صلبه، يسعى بكلّ ما يملك من قوة، لتفادي اندلاع الحرب بين لبنان وإسرائيل، لأنّ تصعيد الصراع القائم أصلاً يعني الذهاب إلى مواجهة كبرى قد تتّخذ شكل حرب إقليمية لن تكون في صالح أحد، علمًا أنّ المطلوب في هذه المرحلة التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، وليس توسيع الحرب ونقل نارها إلى ساحات أخرى، قد تكون الساحة اللبنانية من بينها.

بهذا المعنى، فإنّ الهدف الأساسي من زيارة لودريان كان حثّ كلّ الأطراف المعنيّين على مضاعفة الجهود من أجل التوصّل إلى تسوية يوافق عليها الجميع، ولكن قبل ذلك، تمنع الانزلاق إلى الحرب، ولو أنّ قناعة دولية باتت شبه راسخة بأنّ الهدوء على الجبهة اللبنانية لن يكون ممكنًا قبل وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، في ظلّ خشية متعاظمة من أن يكون لبنان هو “التالي” بعد غزة، وهو ما يفسّر ارتفاع أسهم الحرب الآن.

تصعيد ميداني وسياسي
إذا كان مفهومًا أن يكون مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أراد حثّ الأطراف على منع الانزلاق إلى الحرب، فإنّ السؤال الذي يطرحه كثيرون يتركّز حول سبب هذا التحرّك اليوم تحديدًا، بعد انطباع ساد مؤخّرًا بأنّ احتمالات الحرب قد تراجعت، بعدما كانت قد وصلت إلى أوجها في أعقاب الضربة الإسرائيلية للضاحية الجنوبية، لتنخفض إلى الحدّ الأدنى بعد ردّ “حزب الله” الذي اعتبر كثيرون أنّه فُصّل على مقاس عدم الذهاب للحرب.

هنا، ثمّة من يشير إلى أنّ الأسباب الموجبة للقلق الغربي، ولا سيما الأوروبي، تكمن في التصعيد الذي سجّلته الجبهة في الأيام القليلة الماضية، خصوصًا على المستوى الإسرائيلي، بالتوازي مع التهديدات التي تكاد تكون غير مسبوقة، وهو ما ولّد انطباعًا بأنّ الإسرائيليين يستعدّون عمليًا لنقل دائرة التركيز إلى الساحة اللبنانية، خصوصًا من أجل احتواء الغضب الناجم عن استمرار النزوح القسري لمستوطني الشمال وعدم قدرتهم على العودة لمنازلهم.

وفي السياق نفسه، ليس خافيًا على أحد أنّ الأوروبيين قلقون من وجود مخطّط إسرائيلي لاستغلال الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية من أجل المضيّ إلى الأمام في المواجهة، خصوصًا بعد عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار، ومردّ القلق الأوروبي أنّ انتقال الصراع إلى لبنان سيُدخِل الإسرائيليين وداعميهم في متاهات أكبر، ولن يبقى بالتالي محدودًا كما هو الحال في غزة، ليس فقط بالنظر لقدرات “حزب الله” وحجم ترسانته، ولكن أيضًا لعلاقاته في الإقليم.

يعيد “اشتعال” الجبهة اللبنانية من جديد، بعد فترة من الهدوء النسبيّ، دقّ ناقوس الخطر من أيّ خطوة “ناقصة” يمكن أن تفضي إلى حربٍ لا تحمد عقباها، لا بالنسبة لإسرائيل ولا لبنان، ولا المنطقة برمّتها التي لن تكون بمنأى عن تبعات مواجهة من هذا النوع. مع ذلك، لا أجواء توحي وفق العارفين، بأنّ هذا السيناريو أضحى قريبًا، رغم الصخب الحاصل، صخب لن يتجاوز حدود “البروباغندا”، إذا لم يطرأ طارئ يفرض موازين قوى جديدة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى