سياسة

في زمن الحرب…العاملات الأجنبيات ضحايا نظام حماية ضعيف

أسمهان صفيّ الدين

بينما كانت الحرب مستعرة في الربع الأخير من العام 2024، والقصف مشتددٌ على المناطق اللبنانية، وجدت العاملات الأجنبيات في لبنان أنفسهن في مواجهة كابوس لم يكن في الحسبان. صحيحٌ أن الحرب لم تميّز بين الأجناس والجنسيات، لكنها ألقت بظلالها الأثقل على نساء تركن أوطانهن بحثًا عن حياةٍ أفضل فوجدن أنفسهنّ بسبب القصف والنزوح في مواجهة الفوضى والتشرد وفقدان الهوية. وللمفارقة فإنَّ مأساتهن لم تنته مع انتهاء الحرب وإنّما استمرت معاناة العاملات الأجنبيات في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية.
هذا التقرير يأخذنا في رحلة عميقة إلى قصصهن، لنستمع إلى صرخاتهن وصمودهن ونتعرّف إلى الأمل الذي لا يزال ينبض في قلوبهن رغم كل الصعوبات.

موينا ورحلتها المعبدة بالوجع والنار

تواجه “موينا اليكجان”، (عاملة بنغلاديشية في لبنان) العالم باللحم الحي من دون أدنى مقومات العيش وهي واحدة من اللواتي يعانين من ألم الحرب وما بعدها.
أنا بدي سافر “أنا موت هون بدي شوف ولادي” بهذه العبارة اختصرت تجربتها وتجربة زميلاتها منذ اشتداد القصف والأعمال العسكرية الإسرائيلية على مختلف المناطق اللبنانية في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي، واضطرارهن مع كثيرات إلى النزوح بحثًا عن أماكن آمنة.
يوم 27 أيلول الذي وُجهّت فيه إنذارات اسرائيلية لمناطق مختلفة في الضاحية الجنوبية، هربت موينا من منزلها في الضاحية الجنوبية لبيروت تحت نيران القصف الاسرائيلي خالية اليدين. من هناك بدأت رحلتها نحو منطقة الدورة بحثًا عن الأمان لكنَّ تجربتها كانت أبعد ما يكون عن الأمان بحسب وصفها.
فخلال رحلة الهروب تعرضت موينا للتحرش وتمت سرقة هاتفها الخلوي وما زاد الأمور تعقيدًا هو فقدانها لأوراقها الثبوتية بسبب النزوح المباغت من منزلها. هذا الواقع حال دون توجّهها إلى المخفر والتبليغ عما تعرّضت له خوفًا من سجنها عوضًا عن معاقبة الجاني. وعليه صارت تتنقل بين الشوارع بحذر محاولةً تجنّب المخاطر.
تتابع موينا الحديث عن رحلة العذاب التي انتهت بها في منطقة الدورة حيث وجدت أخيراً مركز إيواء مؤقت يأوي الكثير من العاملات الأجنبيات ويؤمن لها بعض الأمان والدعم. لكن الألم والحزن لم يفارقاها، خاصة مع فقدانها لهاتفها الذي كان وسيلتها الوحيدة للتواصل مع عائلتها في بنغلادش.الأمل في العودة برغم الصعاب، هل من منقذ؟
موينا أمٌّ لأربعة أطفال وحلمها اليوم هو العودة إلى بنغلادش لملاقاتهم. لكن هل ستستطيع السفر على الرغم من عدم حيازتها على أوراق ثبوتية؟

 

توجهنا بهذا السؤال وغيره الى رئيس تحرير مجلة الأمن العام العميد منير عقيقي الذي لفت إلى أنّه يتعيّن على اللواتي يرغبن بالعودة إلى بلادهن اللجوء إلى الجمعيات المحلية التي بدورها تنسق مع سفارة دولتهن أو التوجّه إلى المنظمة الدولية للهجرة.
أما في حالات مختلفة حيث اضطرت العاملات بسبب ظروف الحرب الى ترك منزل الكفيل طوعًا أو قسرًا لعدم قدرة الكفيل على إبقائهن، فيؤكد عقيقي أن الأمن العام يقدّم كل التسهيلات. هناك مساران للحل الذي يكون إما عبر لجوء العاملة إلى سفارة بلادها التي تراجع الأمن العام ليتم اجلاؤها، وإمّا عبر لجوء السفارة إلى المنظمة الدولية للهجرة لتنظيم عملية مغادرتها الى بلادها والتي بدورها تعود إلى الأمن العام لتنظيم العودة الطوعية.
بالنسبة للأمن العام، يشكّل معيار حماية العاملات المهاجرات أمرًا أساسيًا في عمله لضمان تحقيق العدالة لهن بالتنسيق مع الجمعيات المحلية، لا سيما لمن كنّ منهن موضع استغلال أو حتى جريمة ترقى الى الاتجار بالبشر. وعليه تفتح المديرية أكثر من باب لتقديم الشكاوى:
صندوق الشكاوى
الخط الساخن 1717
البريد الالكتروني الخاص بالمديرية العامة للأمن العام
إحالة من الجمعيات إلى دائرة حقوق الانسان والمنظمات، حيث يتم تسجيل الشكاوى ودراستها وإحالتها إلى الدائرة المختصة لا سيما دائرة التحقيق والإجراء ليتم فتح محضر بالتنسيق مع القضاء المختص.
بناءً على الشكوى وبعد التنسيق مع القضاء المختص، يُعالج الأمن العام أي إخلال بعقد العمل تولّد عنه الغبن او استغلال من قبل الكفيل يرقى إلى شبهة الاتجار بالبشر.

دور الجمعيات والمنظمات في مساعدة العاملات الأجنبيات
من أبرز المنظمات المعنيّة بمساعدة العاملات الأجنبيات هي “كفى” والتي تهدف إلى حماية حقوق العاملات الأجنبيات ودعمهن من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني. من هذا المنطلق حملنا قضية موينا إلى “كفى” التي أكدت استعداد المنظمة لمساعدتها شرط عدم وجود أي حكم قضائي بحقها ،كما يمكن تأمين مأوى لها ريثما يتم ترحيلها. إلا أن المباشرة بذلك تستلزم بحسب مديرة المنظمة غنى العنداري تقديم شكوى شخصية من قبل المتضرّرة.
لكن قصّة موينا ليست يتيمة، إذ في لبنان تسجّل حالات غبن متعدّدة بحق العاملات الأجنبيات وقد تفاقم ذلك في ظل الحرب الأخيرة حيث واجهن تحديات إضافية مثل الاستغلال وعدم دفع الأجور وصعوبة الحصول على الدعم القانوني والنفسي أو تقييدهم بموجب نظام الكفالة.
في هذا الإطار تؤكد عنداري أن “كفى” لم تتأخر يومًا في تقديم دعم شامل يتضمن الاستشارات النفسية والمشورة القانونية، بالإضافة إلى توفير مأوى آمن للعاملات المعنفات. أما الوصول إلى هذه الخدمات فيتم إما من خلال الاتصال بالخطوط الساخنة المتوفرة للمنظمة، أو من خلال زيارة مراكزها المنتشرة في المناطق المختلفة، كما يمكن للعاملة الإطلاع على حملات التوعية التي تنظمها المنظمة.

 

رغم أن الانتهاكات التي تتعرض لها العاملات الأجنبيات في لبنان تفاقمت بطبيعة الحال في ظل الحرب، إلاّ أن هناك أسباب عديدة تمنع توجه العاملات في لبنان نحو الأُطر القانونية للإبلاغ عن ما قد يتعرضن له حتى في الأيام العادية. وهنا تؤكد عنداري أن من الأسباب هو الخوف من الترحيل، لأن بعض العاملات ليس لديهنّ أوراق ثبوتية مكتملة، والسبب الأهم هو نظام الكفالة الذي يجعل العاملات معتمدات بشكل كامل على الكفيل، مما يجعلهن عُرضة للتهديد وفقدان مأواهن ووظائفهن. هذا فضلًا عن قلة الثقة بالسلطات فالعديد من العاملات لا يثقن بقدرة أو استعداد السلطات لحمايتهن وتقديم الدعم اللازم. قد يشعرن أنهن يتعرضن للتمييز ما يمنعهن من التبليغ عن أيّة انتهاكات. كما أنه قد تكون لدى البعض تجارب سابقة سيئة مع السلطات، أو يعرفن أشخاصًا تعرضوا لسوء المعاملة بعد التبليغ.وهناك حالات تجد صعوبة في التواصل بسبب الفروق اللغوية والثقافية، مما يجعل عملية التبليغ أكثر تعقيدًا. والسبب المحزن أن هناك الكثير منهن لا يعلمن أصلاً باستطاعتهن التوجه لتقديم شكوى.

ضرورة إعادة النظر بنظام الكفالة
“بأيام السلم نظام الكفالة عم يكون نظام استعبادي فكيف رح يكون خلال الحرب “؟
بهذه الكلمات بدأ المحامي نجيب فرحات حديثه عند سؤالنا له عن نظام الكفالة في لبنان حيث عرًفه بأنه نظام قانوني يرعى العلاقة بين صاحب العمل والعامل الأجنبي فيكون هذا العامل خاضع لسلطة رب العمل أي الكفيل في كل ما يتعلق باقامته في البلد وسائر الامور الاخرى المتعلقة بعمله. ما يعني أنه في حال تخلي رب العمل عن كفالته للعامل الأجنبي يخسر هذا الأخير إقامته ويصبح واجبًا عليه مغادرة البلاد.
في كثيرٍ من الأحيان يستغل رب العمل هذا النظام لمصالحه الشخصية خصوصًا في ميدان الخدمة المنزلية بغية هدر حقوق العاملة واستغلالها سواء لناحية حرمانها من الأجر أو من بعضه أو لإلزامها بأعمال إضافية خارجة عما هو متفق عليه أو عند أشخاص آخرين خلافًا للقانون والانظمة النافذة.
يضيف فرحات أنَّ واقع الحرب الاخيرة زاد من هذه المشكلة خصوصًا في ظل حاجة العاملات الأجنبيات الى مأوى آمن ووجود بعض الحالات التي تُركن فيها في مناطق خطرة في منازل أرباب العمل.
بناء على ما ذُكر، يؤكد واقع الحال أن هذا النظام يحتاج بالتأكيد الى تطوير وتعديل وضوابط أكبر وصولاً الى الغائه لكونه بات يشكّل نوعًا من العبودية المقنّعة. علمًا أن محاولات عدة حصلت لهذه الغاية من قبل وزارة العمل أو حتى لإدخال تعديلات قانونية بموجب اقتراحات قوانين من بعض النواب، إلا أنها كانت تصطدم بالعرقلة من قبل أصحاب المصالح أو الأشخاص الذين يستفيدون من هذا الاستغلال.
في الختام، يتضح أن نظام الكفالة الحالي يكرّس الإستغلال الذي تعاني منه العاملات الأجنبيات وقد كشفت الأزمات الأخيرة عن الثغرات العميقة في هذا النظام مما يؤكد الحاجة الملحة إلى إصلاحات جذرية. وعليه فإنَّ حماية حقوق العاملات الأجنبيات ورفع مستوى حياتهن يتطلب تكاتف جهود الحكومة والمجتمع المدني لخلق بيئة أكثر أمانًا وإنسانية كما أن تطوير النظام يُعدُّ خطوة أساسية نحو العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

يُنشر هذا التقرير في إطار البرنامج التدريبي حول “أسس ومبادئ التغطية الإعلامية لقضايا الأمن في لبنان” الذي نظمّته مؤسسة “مهارات” بدعم من مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن “DCAF”. هذا المحتوى لا يعكس بالضرورة آراء مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى