سياسة

انتهاك مستمر لمنطقة مصنفة طبيعية وأثرية… وزارة الدفاع تواصل تغطية المستثمر!

"ليبانون ديبايت"

يواصل أحد المستثمرين الحاصل على عقد من وزارة الدفاع تنفيذ أشغال تهدد شاطئ مدينة صور ومحميتها الطبيعية وأراضيها الرطبة الحساسة، ويعرض للأضرار موقعًا أثريًا مصنفًا ويشكل جزءًا من المشهد الثقافي والأثري للمدينة، وذلك رغم صدور قرار قضائي بوقفها، ورغم تبلغ وزارة الدفاع بضرورة وقف العمل بالموقع، حيث لم تحرك ساكنًا لوقف هذا العمل المخالف للقانون.

عبّرت جمعية “الجنوبيون الخضر” عبر “ليبانون ديبايت” عن بالغ قلقها إزاء استمرار المخالفات الجسيمة للقوانين المرعية في منطقة الشواكير – صور، حيث يواصل المستثمر الحاصل على عقد من وزارة الدفاع تنفيذ أشغال تهدد شاطئ المدينة ومحميتها الطبيعية وأراضيها الرطبة الحساسة وتعرض للأضرار موقعًا أثريًا مصنفًا ويشكل جزءًا من المشهد الثقافي والأثري للمدينة، وذلك رغم صدور قرار قضائي بوقفها.

وعرضت مسار الأمور، ففي 12 آذار 2025، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في صور، القاضية يولا غطيمي، قرارًا بوقف فوري للأعمال الجارية، بناءً على دعوى تقدّمت بها الجمعية. وقد تم تبليغ وزارة الدفاع بمضمون الدعوى والقرار عبر محامية الجمعية التي اجتمعت برئيس الدائرة القانونية في الوزارة بتاريخ 19 آذار/مارس، كما تم تسليم نسخة من القرار إلى الوزارة عبر هيئة القضايا بتاريخ 24 آذار/مارس، وفقًا للأصول القانونية.

وأكدت أنه على الرغم من وضوح القرار القضائي، لم يُنفذ حتى تاريخه، ولم يُتخذ أي إجراء لوقف الأشغال، مما يُعد مخالفة واضحة للقانون وتحديًا لسلطة القضاء.

وذكرت أن الجمعية قد توجهت بادئ الأمر، ومنذ رصدها لأعمال تجريف وقطع أشجار في الموقع الواقع ضمن المنطقة الحزامية لمحمية شاطئ صور الطبيعية، إلى وزارة البيئة بصفتها وزارة وصاية، حيث قامت بإبلاغها عن تلك الأنشطة بتاريخ 11 أيلول2024، في موقع يُشكّل امتدادًا طبيعيًا للأراضي الرطبة الواقعة ضمن نطاق المحمية، والمصنّفة على لائحة اتفاقية رامسار الدولية لحماية الأراضي الرطبة. وقد أقدم المستثمر حينها على إقامة مجبل ترابة في قلب هذا النطاق البيئي الحساس، في خطوة تُعد خرقًا صارخًا للأنظمة البيئية، سواء المحلية أو الدولية.

وأوضحت أنه بعد أن توقفت الأشغال مؤقتًا خلال العدوان الأخير، تم استئنافها عقب التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية، ما دفع الجمعية إلى إرسال كتاب متابعة بتاريخ 2 شباط 2025، ثم كتاب إلحاقي في 8 نيسان/أبريل الجاري.

وتلفت إلى أنه رغم ذلك، لم تتخذ الوزارة أي قرار بوقف الأعمال، حتى بعد صدور قرار قاضية العجلة بوقف الأشغال، والتي تعد مخالفة صريحة لقانون حماية البيئة رقم 444/2002، والمرسوم رقم 8633/2012 المتعلق بأصول تقييم الأثر البيئي الإلزامي الذي لم يُقدم مطلقًا.

وتنبه إلى أن اتفاقية رامسار، التي انضم إليها لبنان بموجب القانون رقم 23/1999، تُلزم الدولة بمنع الإضرار بالمواقع المصنّفة، والحفاظ على تنوعها البيولوجي وخدماتها البيئية، ما يضع الجهات المعنية أمام مسؤولياتها القانونية المباشرة.

كما تشير إلى أنه، بتاريخ 11 شباط، تقدّمت الجمعية بإخبار إلى النيابة العامة البيئية في الجنوب، والتي بدورها أحالت الإشعار إلى التحقيق في اليوم ذاته، إلا أن النيابة العامة البيئية لم تتخذ أي قرار بوقف الأشغال لغاية الساعة.

ولم تتوقف الجمعية عن مسعاها لحماية الموقع، فتوجهت بكتاب إلى وزارة الثقافة بتاريخ 20 شباط، أشارت فيه إلى أن العقارات التي تجري عليها الأشغال تقع ضمن منطقة مصنّفة أثريًا، شملها المسح الأثري الأخير لعام 2019، الذي أجرته المديرية العامة للآثار بالتعاون مع جامعتي سابينزا في روما والجامعة اللبنانية، وقد بيّن المسح وجود أكثر من 20 نقطة أثرية هامة تعود إلى العصر البرونزي والحديدي، بالإضافة إلى الفترات الرومانية والبيزنطية. وتُعد هذه المعالم جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي والتاريخي لمدينة صور، المُدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، ما يعزز الحاجة الملحّة لحمايتها من أي أنشطة قد تُلحق أضرارًا بالمشهد الأثري للمدينة.

وقد أرفقت الجمعية كتابها بمطالعة قانونية توضح المخالفات المرتكبة في الموقع، مؤكدة أن الأشغال الجارية تُشكّل مخالفة صريحة لقانون حماية الآثار رقم 166، ولقانون 708 المتعلق بحماية المناطق الساحلية ذات القيمة البيئية والأثرية.

وتنبه إلى أنه على الرغم من تفاعل مديرية الآثار مع الملف، وتوجهها إلى تحييد بعض النقاط الأثرية ضمن العقارات، فإن هذه المقاربة لا توفّر الحماية الشاملة للموقع ككل، خاصة وأن خمسة من أصل ثمانية عقارات تقع ضمن لائحة الجرد العام للمواقع الأثرية.

ومن هذا المنطلق، وجّهت الجمعية كتابًا إلحاقيًا في 27 آذار، أكدت فيه أن الأعمال لا تزال مستمرة ضمن العقارات المصنّفة، وأرفقته ببيانات وخرائط توثق هذه المخالفات، إلا أنه لم يصدر حتى اللحظة أي قرار وزاري بوقف الأشغال.

وجددت جمعية “الجنوبيون الخضر” مطالبتها العاجلة لكل من وزارة الدفاع، ووزارة البيئة، ووزارة الثقافة، بتحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية، واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الأعمال فورًا، وسحب الآليات من الموقع، ومحاسبة الجهة المسؤولة عن الأضرار البيئية والثقافية الجسيمة.

واعتبرت صمت الجهات المعنية تجاه هذا الانتهاك المستمر يُقوّض سيادة القانون ويعرّض أحد أهم المواقع الطبيعية والثقافية في لبنان للخطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى