العالم يودّع اليوم أب الفقراء

يودع العالم اليوم قداسة البابا فرنسيس، الملقب ب “أب الفقراء”، في حضور 50 رئيس دولة و350 وفدا حكوميا ودينيا من 170 دولة من القارات الخمسة، حيث تقام المراسم الجنائزية في تمام العاشرة من صباح اليوم، في ساحة القديس بطرس، ينقل بعدها الجثمان إلى داخل بازيليك القديس بطرس، ومن هناك إلى بازيليك القديسة مريم الكبرىSanta Maria Maggiore، حيث يُوارى في الثرى.
وقد أعلن مكتب الاحتفالات الليتورجية البابوية أن الطقوس الجنائزية سيترأسها عميد مجمع الكرادلة، الكاردينال جوفاني باتيستا ري.
وعقب الاحتفال الإفخارستي، ستُقام طقوس الوداع الأخير (Ultima commendatio) والتوصية الختامية (Valedictio) ومن ثم سيُنقل نعش الحبر الأعظم إلى داخل بازيليك القديس بطرس.
ما بعد الوداع
في السابق، كان كافيا التوافق بين الكرادلة لانتخاب الحبر الاعظم، ولكن اليوم بعد المسيرة الثورية للبابا فرنسيس، يجب ارضاء اولئك الذين عادوا الى الكنيسة خصوصا السائرين على درب البابا فرنسيس بما فيه الجيل الشاب .
فقد تميزت حبرية الاب الاقدس بالحضور الكبير للشبيبة في الحياة الكنسية، وهذا ما شاهدناه اثناء القاء النظرة الاخيرة في الايام الماضية حيث كان عشرات الالاف من الشبان والفتيات يقفون في الطابور من اربع الى خمس ساعات من اجل القاء الوداع الاخير، العديد منهم كان يبكي حزنا على البابا الذي احبته الشعوب كافة.
سار البابا فرنسيس على نهج البابا يوحنا بولس الثاني، لكنه اعطى روحية اقوى للتعاليم المسيحية، تمتع بصفات كثيرة ميّزت حياة هذا البابا اليسوعي الذي لم يسع إلى إرضاء جميع الناس إذ صب اهتمامه على الإصغاء والحوار. لم يكترث يوما إلى مؤشّر الشعبية، حفظ في قلبه إنجيل الرب – كما يقول معظم الكرادلة .
ترك البابا فرنسيس إرثا كبيرا لأخوته في الرهبنة ، وكان يردد أن كل أرض غريبة هي موطننا وكل موطن هو بالنسبة لنا أرض غريبة”، سائلا الرب أن”يفتح أعيننا وقلوبنا كي يصبح كل لقاء مع أي شخص محتاج لقاءً مع الرب يسوع” .
كان اب الكنيسة يستخلص العبر من حياة رجال ونساء عرفوا الله وصاروا أنبياء وقديسين، وكان يدرك تماما أن أفعاله وقراراته لن تعجب الجميع، وصبّ اهتمامه على الإصغاء والحوار وقراءة علامات الأزمنة، والصلاة وتعميق معرفته بالرب، والبحث عما هو مناسب في كل مرحلة من مراحل التاريخ.
من أبرز ما تميز به البابا فرنسيس، قدرته الاستثنائية على مد جسور التواصل مع مختلف الديانات والثقافات. فقد سعى جاهداً لتعزيز الحوار بين الأديان وتقريب وجهات النظر بين المسيحية والإسلام واليهودية وغيرها من الديانات، زار العديد من البلدان الإسلامية وعقد لقاءات تاريخية مع قادة دينيين من مختلف أنحاء العالم، كما انه وقّع في العام 2019، مع شيخ الازهر في دولة الامارات، وثيقة “الأخوة الإنسانية” التي وصفت بالتاريخية، وهي تتضمن دعوة لنشر ثقافة السلام واحترام الغير وتحقيق الرفاهية بديلا عن ثقافة الكراهية والظلم والعنف.
مجمع الكرادلة سيلتئم قريباً، لينتخب خليفة البابا فرنسيس والمهمة لن تكون سهلة، وهي لا تتعلق بالتوافق ولا بالعدد الكبير من الكرادلة الأوروبيين، بل من سيكمل ورش الاعمال الكبيرة التي بدأها البابا فرنسيس وتنتظر البشرية ثمارها. بابا جديد يأخذ في الاعتبار الاختلافات الراهنة في هذا العالم، ومن يعتبر أن الاختلافات لا تشكل عائقاً، بل على العكس إنها ثروة . بابا يستمر بمحاربة ما حققته الكنيسة الكاثوليكية على صعيد الوقاية من التعديات الجنسية من قبل رجال الدين، تثمين دور العلمانيين والمرأة داخل الكنيسة،
الاستمرار بتقليص الخلافات القائمة بين مختلف الكنائس في العالم وتضييق الهوة مع الاديان الاخرى .